کد مطلب:309794 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:251

القسمت 31


المدینة هائجة وقد زلزلت الأرض زلزالها.. فالقلب الذی كان ینبض حبّاً للفقراء والمحرومین قد توقف إلی الأبد... وانقطع ذلك الحبل الممدود الذی یربط السماء بالأرض.. واختفت ظلال جبریل وبدا المسجد خاویاً علی عروشه..

العیون تبكی و الحناجر تشرق بالعبرات. لیت السماء اطبقت علی الأرض ولیت الجبال تدكدكت علی السهل.

هل رأیت قطیعاً من الماشیة سقط راعیها فراعها خوف من ذئب قد یشدّ علیها فهی تجری فی كلّ اتجاه تبحث عمّن یهبها الطمأنینة حتی لو كان وهماً.

وهل رأیت غریقاً فی بحرٍ هائج یتشبث بكلّ شی ء غیر الماء حتی لو كان قشّة لا شأن لها..

هكذا كانت المدینة... ذلك النهار العاصف كان أبوحفص زائغ


العینین یبحث عن صاحبه یترقّب حضوره بین اللحظة و الأخری... همس فی نفسه حانقاً:

- ما كان علی أبی عائشة أن یذهب إلی «السنخ» فی هذه الأیام...

كان منظر «عمر» مخیفاً بطوله الفارع و عینیه المتوقدتین وزادت نظراته الغاضبة هیبته فی النفوس فتنحوا عن طریقه و هو یدخل منزل النبی.

كشف عمر عن وجه النبیّ و تمتم بصرامة:

- لقد اغمی علی رسول اللَّه.

قال أحد الحاضرین مستنكراً:

- قد مات رسول اللَّه.

أجاب عمر بغضب:

كذبت ما مات ولقد ذهب إلی ربّه كما ذهب موسی بن عمران.

غادر عمر المنزل هائجاً ووقف وسط الجماهیر و هو یلوح بسیفه:

- ان رجالاً من المنافقین یزعمون ان رسول اللَّه قد مات وانّه واللَّه ما مات ولكنه ذهب إلی ربّه كما ذهب موسی بن عمران واللَّه لیرجعنّ رسول اللَّه فلیقطعنّ أیدی رجال و أرجلهم ممن أرجف بموته.

وجد القطیع الممزّق شبحاً لراع فالتفت حوله تلتمس الأمن؛


ووجد الغرقی قشّشا فراحوا یتشبثون.

و عندما یفقد الإنسان الأمل فانه قد یعمد إلی وهم یهبه شكل الحقیقد فی لحظد یأس مریرة...

تحلّق الناس حول رجل یبرق و یرعد و یهدّد من یقول بموت الرسول... و ما أجمل ما یقوله «عمر» ان محمد لم یمت و لا یموت حتی یظهر دینه علی الدین كلّه.. للَّه درّك یابن الخطّاب.

كان المغیرة ینظر إلی أبی حفص یفكر فی لغز استعصی حله علیه.. ارتسمت علامة استفهام كبیرة ما تزال حتی الیوم و ربما إلی یوم الدین.

من بعید لاح أبوعائشة یحث الخطی.. ولعل «المغیرة» قد لاحظ شیئاً.. فقد بدا الرجل الذی كان یهدد و یتوعد من حوله بالویل والثبور یخفف من حدته.. و انحسرت تلك الزوبعة المدمّرة لیحل مكانها سكون رهیب.

هتف أبوبكر من بعید:

- علی رسلك ایها الحالف.

ثم التفت إلی الأمّة المدهوشة:

- ایها الناس من كان یعبد محمداً فان محمداً قد مات و مَن كان یعبد اللَّه فان اللَّه حیٌّ لا یموت.. و ما محمد إلا رسول قد خلت من


قبله الرُسل أفئن مات أو قُتل انقلبتم علی أعقابكم و من ینقلب علی عقبیه فلن یضرّ اللَّه شیئاً.

تنفس أبوحفص الصعداء و هو یرنو إلی صاحبه الذی حضر فی الوقت المناسب..

كان المغیرة ما یزال یرقب أباحفص و هو یكاد یصعق.. لقد انتهت الثورة. فجأة هدأت العاصفة. استسلمت عند قدمی أبی عائشة.

وقف عمر إلی جانب صاحبه وانضم الیهما رجل ثالث هو «ابن الجراح» و تبادل الثلاثة نظرات هی أبجدیة كاملة.. ربما كانوا یفكرون للمستقبل لیومین أو ثلاثة أو ربما للتاریخ كلّه.

ان كل التحولات الاجتماعیة الكبری انما تولد فی الضمائر قبل أن تجد طریقها إلی الواقع.. انّها موجودة فی دائرة القوة حتی یأتی من یخرجها إلی دائرة الفعل.. و كان فی ضمائر جلة المهاجرین و قریش قاطبة ألا تجتمع النبوة و الخلافة فی بنی هاشم... و قد قرأ رجال ما یجول فی الخواطر لیخرجوا ما استتر فی الضمائر و عجز النبی عن هزیمته یوم هزم الأوثان العربیة.

النبی الذی جاب الصحراء ینشر فیها النور و الحیاة هو الآن جثة هامدة.. و توقف القلب الذی ینبض بالحب.. القلب الذی سحر كل القلوب فتآلفت. و مذ توقف هذا القلب انفرط عقد القلوب جمیعاً كما


التیار الكهربائی إذا انقطع انطفأت المصابیح وعاد الظلام فلا تسمع سوی أصوات بومة تصیح:

- هوو.. هوو.. هوو.. تبشر بزمن الخرائب و الاطلال. یا له من صباح مظلم كئیب.. احترقت شمسه وانتحر ضیاؤه.. عیون غارقة فی بحیرات الدمع و عیون تترصد بحذر بیتاً فیه جسد مسجی و قلوب كسیرة و ریاحین ذابلة و شموع منطفئة..

و هناك و بعیداً عن كل العیون اجتمع رجال من «الأوس» برجال من «الخزرج» یتشاورون فی رجل «مزمّل» و قد أوجسوا خیفة من غدر قریش.

«السقیفة» تكتظ برجال نصروا الرسول و آزروه یوم كان شریدشا، و قهروا به الذین شرّدوه عن دیاره بغیر حقّ.

طافت خیالات «بعاث» فی فضاء السقیفة، نشرت ظلالها سوداء كالحة.. نكأت جروحشا ضمدها رسول السماء فاندملت.. إلی حین.

قال سعد و كان دنفا:

- یا معشر الأنصار ان لكم سابقة فی الدین و فضیلة لیست لقبیلة من العرب.. فلا تدعوهم یغلبوكم علی أمركم.

قال زید مؤیداً:

- وفقت فی الرأی و أصبت فی القول. ولن تعدو ما أمرت نولیك


هذا الأمر، فأنت لنا مقنع و لصالح المؤمنین رضی.

قال «ابن حضیر»:

- ولكنهم عشیرة النبی و هم أولی به من غیرهم.

أجاب ابن المنذر مستدركاً:

- إذن نقول لهم منّا أمیر و منكم أمیر.

هتف سعد غاضباً:

- هذا أوّل الوهن.

و تمتم ابن الأرقم متأسفاً بصوت لم یسمعه أحد:

- لك اللَّه یا علیّ.. ان الملأ یأتمرون بك لی...

وانسلّ من بین الجمع شبحان راحا یحثان الخطی و قد انبعثت فی الأعماق اصداء معركة قدیمة فی یوم من أیام العرب.

قال عویم یحث صاحبه:

- اسرع یا معن قبل أن تعقد لسعد.